كتاب اجعل الناس يفعلوا ما تريد (المؤلف: ماريانا كارينش)
كانت هناك دولتان على وشك الدخول في حرب ضد بعضهما! دعونا ننظر عن قرب لشخص من عساكر أحد الجيشين.
هذا الجندي سنسميه "منعم".
"منعم" دخل الخدمة العسكرية وقيلت له مبادئ الدفاع عن الواجب والكرامة.. تكون لديه صورة عامة لذاته، إذ إن مهمته هي حماية بلده والدفاع عنها، وهو من المستحيل أن يخونها.
عندما تقوم الحرب و"منعم" يقع في الأسر، سنلاحظ أمرًا مثيرًا. إن مَن قاموا بأسر "منعم" سيستجوبونه ويسألونه عن معلومات عن بلده، سنجده يجيبهم بصراحة ويتفاعل مع أسئلتهم بدون أي مجهود للضغط عليه! ما الذي أوصله إلى ذلك؟ إن ما حدث جعل تصوره السابق عن الذات ينكسر..
هناك إحصائية تقول إن أكثر من ٩٠٪ من أسرى حروب القرن الواحد والعشرين قدموا إجابات مباشرة للمحققين عند استجوابهم بعد الأسر، وهذا رقم كبير جدًّا!
ما الذي يجعل محارب محترف وخادم نبيل لبلاده يتحول إلى شخص يُفشي أسرار بلاده؟!
لأن عملية الأسر فيها تلاعب كبير بانتماء الشخص، والتلاعب بالانتماء (بصورة عامة) يمكن استخدامه لدفع الآخرين ليقوموا بما تريده بسهولة.
الانتماء، ببساطة هو شعور الفرد بمكانته في الجماعة، هذه المكانة هي التي تجعل الفرد يحس بتقديره لذاته، وهي ما توجه الإنسان لاتخاذ قراراته.
أقرب مثال لتوظيف مبدأ الانتماء لدفع الناس لاتخاذ قرارات هو الإعلانات.
الربط مثلًا بين امتلاك سيارة معينة أو بيت معين وطبقة اجتماعية معينة.. سيوجه الناس إلى شراء تلك السيارة أو ذلك البيت.
لنرجع لحكاية "منعم"! كيف تمكن محققو جيش العدو من كسره؟
•
في الحقيقة تمكنوا من ذلك بكسر الرابط بينه وبين القوة التي تدعمه. خلعوا عنه البزة العسكرية الموحدة التي كانت تعطيه قوة في جماعته وألبسوه بيجاما!
•
حولوا البيئة الخاصة به بعد أن كانت بيئة مقاتل مهتم بالشرف، إلى بيئة أسير سلبي معتمد على سجانه في كل شيء.
•
تلاعبوا باحتياجاته بعد أن كان بقاموسه كلمات كالشرف والفخر والمجد، الآن كل ما هو في قاموسه هو الطعام والشراب.
حاجات الانتماء
دعونا نذكر هرم الاحتياجات بصورة سريعة. للحاجات هرمٌ بخمسة مستويات:
•
الحاجات البيولوجية والفسيولوجية:
مثل الهواء والطعام والماء والمأوى والدفء والجنس والنوم.
•
حاجات الأمان
: مثل الحماية والأمن والنظام والقانون والحدود والاستقرار.
•
حاجات الانتماء والحب
: مثل الأسرة والعواطف والعلاقات وزملاء العمل.
•
حاجات تقدير الذات
: مثل الإنجاز والوضع الاجتماعي والتحلي بالمسئولية والتمتع بسمعة طيبة.
•
حاجات تحقيق الذات
: مثل النمو الشخصي والسعادة الناتجة عن الإنجاز.
كل مستوى من تلك المستويات يمثل فئة لاحتياجات الإنسان، ويسعى الفرد لإشباعها من أسفل الهرم لأعلاه، مثلًا يؤمن طعامه، بعد ذلك، يفكر في تحقيق ذاته وهكذا!
أنت عندما تكون في مواجهة مع شخص ما، فرصتك الوحيدة لجعله يقوم بما تريده، هي أن تفصله عن القوى التي تدعمه، لأن كل إنسان لديه قوى تدعمه سواء أكانت خفية أم ظاهرة.(تفصله عن انتمائه بأن تتحكم بهرم احتياجاته).
الأساليب الآتية موجّهة للمحققين في سياق استجواب الجرائم مثلًا، ولكن هذا لا يمنع أن تلك المبادئ يمكنك الاستفادة منها واستخدامها بظروف معينة.
ماذا تفعل؟
دعونا ندخل في التطبيق العملي، ونحاول تطبيق تلك المعرفة. يمكننا تقسيم ما علينا فعله إلى خطوتين:
•
الخطوة الأولى
: كشف القناع.
•
الخطوة الثانية:
استخدام المعرفة التي اكتشفناها لصالحنا.
التصنيف
كل شخص يرتدي قناعًا ويحاول إخفاء صفات معينة لديه، ولكن فهمك لجوانب شخصيته الحقيقية سيجعل لديك رؤية أوضح عن هذا الشخص، ستتمكن من معرفة نقاط ضعفه وقوته.
التعرُّف
بالطبع لن يخبرك أحد جوانب شخصيته على نحو مباشر، ولكن يمكنك معرفة كل شيء إن ركَّزت على استجابته للمواقف.
هناك دلائل يمكنك مراقبتها كي تعرف نقاط ضعف الشخص مثلًا، منها:
اختبار كلمات غريبة
على سبيل المثال يصف مهنته أو مهنة أحد ما بأنها مهنة شريفة.
كلمة شريفة في هذا السياق.. كلمة غريبة لأنه كون العمل شريفًا لا بدَّ أن يكون هو القاعدة العامة.
عند سماعك لتلك الكلمة، يجب ألا تمر بسهولة، وعليها أن تستثير بداخلك أسئلة، لأنها طرف خيط.
التركيز على كلمات بعينها
من الممكن أن تجد الشخص المقابل لك يردد كلمات معينة في أحداث معينة، تلك الكلمات توضح مدى اهتمام الشخص بالموضوع الذي يؤكده أو مدى ضيقه منه، بحسب ما يظهر على ملامحه في تلك اللحظة.
اختصار الزمن
هناك أيضًا اختصار الزمن في الكلام عن تفاصيل معينة.
الشخص الذي يقفز في فترات زمنية معينة، يمكن أن يكون ذلك مؤشرًا أن الشخص لا يشعر بالارتياح للموضوع الذي يتحدث عنه.
اللجوء إلى المبني للمجهول
هناك أيضًا المبني للمجهول، والذي يمكن أن يكون علامة على عدم الارتياح، مثل الطفل الصغير الذي يكسر زجاج النافذة، ستجده يقول إن النافذة كُسِرت. لا يحدد مَن الذي قام بالفعل لأنه يشعر بالخوف.
الأسئلة المركبة
أنت يمكنك من خلال مهاراتك أن تحدد الأشياء التي يحاول الشخص المقابل لك إخفاءها، أو يمكن من خلالها تحديد درجة إشباع الشخص لحاجاته.
فمثلًا إن كنت تريد معرفة إن كان الشخص الذي تستجوبه متزوجًا أم لا؛ فالسؤال البسيط:
•
هل أنت متزوج؟
قد لا يُعطي هذا السؤال النتيجة المطلوبة، ولكن السؤال المركب مثل:
•
ما اسم زوجتك؟
بذلك أنت افترضت احتمالًا متوقعًا وسألته عنه.
هذا الأسلوب يهز توازن المستجوَب ويجعل فرصة أن يكذب أقل.
دخول نفسية الفرد
وبصورة عامة في التواصل يمكنك استخدام أساليب اختراق نفسي، سنعرض خمس طرق:
•
منهج التخويف
هذا المنهج يستخدمه مدير الموارد البشرية على نحو معتدل مع موظف قام بأمر خاطئ.
فتجده يقول له هل ستخبرني بحقيقة ما حدث أم أنك تريد مناقشة ذلك مع رئيس العمل الذي لديه السلطة، ويمكنه طردك؟
•
منهج الصمت
تخيل أن الشخص المستهدف يقف على مسرح وأن كل العيون موجَّهة له، وهو في حالة توتر وعدم قدرة على الكلام!
يمكنك خلق شعور مشابه داخل الشخص، بأن تسأله سؤالًا قاسيًا، ولا تعطيه أية مساعدة! وتنظر له بصمت.
•
الإقناع
منهج الإقناع يقوم على إيقاف النزيف الانفعالي للفرد.
هو مناورة نفسية يمكن أن تقوم بها إن كنت تريد إعطاء المزيد من الثقة للشخص الذي تحاوره كي تتمكن من التأثير على سلوكه، وغالبًا يتم استخدام التخويف المعتدل مع هذا المنهج، بذلك يمكن خلق أسلوب جيد جدًّا وسيئ جدًّا.
•
المديح والنقد
إما أن تعظم الفرد أو أن تقلل من شأنه. بالارتفاع بالغرور والانخفاض به ستتمكن من جعله يستسلم.
•
العارف بكل شيء
عن طريق جمعك لمعلومات عادية عن الشخص قبل أن تتحدث معه، يمكن مثلًا أن تجلب من الإنترنت تفاصيل منطقته السكنية، (معلومات عادية جدًّا)، ولكن تستطيع توظيفها بطريقة تجعله يشعر بأنك تعرف كل شيء، ومن ثَم سيتواصل معك بشكل أسهل لأنه يخافك.
استخدام الأدوات
لننتقل للخطوة الآتية، وهي استخدام المعرفة التي وصلنا لها.
"أن تجعل شخصًا يفعل ما تريده" هو صفقة، من المفترض أن تقدم شيئًا مقابل شيء آخر ستأخذه.
أنت تتاجر، والتاجر الماهر هو من يعرف كيف يقدم ثمنًا قليلًا ويأخذ مقابله ثمنًا كبيرًا.
لنعد إلى هرم الاحتياجات. الأشياء التي يمكن أن تشبع الاحتياجات الأولية في أسفل الهرم من السهل أن نلبيها، ولكننا كلما ارتفعنا في الهرم أصبح أصعب توافر الأشياء التي يمكن أن تُشبَع.
يمكن أن تقدم لشخص بديلًا ليحل احتياج الجوع أو النوم بتكلفة قليلة، مقارنة بأن تقدم له طريقة لتحسين وضعه الاجتماعي.
حتى تحصل على صفقة جيدة، يجب أن يكون الثمن الذي ستدفعه من أسفل الهرم، ولكن ليس كل الناس ستقبل بأن تأخذ احتياجات أولية مقابل تحقيق طلبك.
لذلك هنا عليك أن تتدخل وتؤثر في تصور الفرد لذاته.
هل تتذكر القصة التي بدأنا بها الحلقة؟ عندما أوصّلوا إلى منعم شعورًا بالحرمان من كل شيء، قبِلَ بالاحتياجات الأولية وكان جل تفكيره حولها فقط!
المحققون مثلًا بالمراوغة يمكنهم إقناعك بأنك أقل من المستوى المتوسط، يمكنهم أن يطرحوا عليك أسئلة هدفها زعزعة ثقتك في نفسك، ويمكنهم أن يركزوا معك على نقاط ضعفك ويضخموها.
أستاذ جامعي مثلًا، لن نركز له على أي عوامل تميزه. سنركز معه على عوامل لا تميزه.
بدلًا من أن أتحدث عن المذيعة اللامعة أوبرا وينفري، سأتحدث عن أوبرا وينفري الفتاة الفقيرة التي أتت من القرى.
شخص مثلًا يستهدف تحقيق الذات من خلال الترقي في العمل، لو أنك نزلت به في الهرم وجعلته يشعر بأنه مهدد بتركه العمل، ودفعته للحاجة لاستعادة مكانته عندها يمكنك دفعه للموافقة على ما تريد.
الخطوة الأخيرة
الخطوة الأخيرة هي تقديم مخرج، امنح الشخص المستهدف بديلًا واضحًا كي يقوم به هذا الخيار الذي تفضله مع وعده بأن ذلك سيشبع حاجة من حاجاته ستجده يوافق!
الاعداد من قناة اخضر الشهيرة و الذائعة الصيت في الشرق الاوسط و المعروفة بتلخيصها لكافة الكتب و المواضيع بشكل بسيط و مفهموم للجميع للرجوع الى فريق عمل اخضر
facebook l website l twitter l instagram l Youtube جميع المقالات حصرياً علي موقع مجلتي